اكتئاب ما بعد الولادة.. حكايات الأمهات في التعامل معه

اكتئاب ما بعد الولادة

تُعد رحلة الحمل والولادة بمثابة عالم سحري تمر الأم من خلاله وتستكشف فيه تفاصيل حياة جديدة خفية ومفاجئة، فعلى الرغم من جميع الاستعدادات والأبحاث التي تنخرط بها الأم خلال فترة الحمل، ورغم كل المباركات والمهنئين في وقت الولادة، يجد أغلب الأمهات -خاصة الجدد- أنفسهن بمفردهن تمامًا في مواجهة وحش اكتئاب ما بعد الولادة. وهي حالة تسرق فرحة الأم بطفلها، وتتركها غارقة في شعور من الخوف والتوتر والضعف، ما يزيد من شعور الأم بالذنب وقلة الحيلة.

لذا نقدم لكِ في هذا المقال بعض تجارب الأمهات في مواجهة اكتئاب ما بعد الولادة، لتعرفي أنكِ لستِ وحدكِ، وأنها مجرد مرحلة ستأخذ وقتها، وأنه يمكنكِ التغلب عليها والاستمتاع بمولودكِ والعناية به.

اكتئاب ما بعد الولادة

على الرغم من أن التعرض لكآبة ما بعد الولادة أمر طبيعي يحدث لكثير من الأمهات بنسبة تتخطى الـ 8% بسبب الهرمونات وعوامل أخرى كثيرة، ولكن أغلبنا لا يملك الوعي اللازم بهذه الحالة النفسية، أو كيفية التعامل مع هذه المشاعر، سواء الأم نفسها أو المحيطين بها كالزوج والأهل والأصدقاء. بل على العكس فإنهم قد يتسببون في زيادة هذه المشاعر دون قصد، فتتحول إلى اكتئاب ما بعد الولادة، وهي الحالة الأكثر إرهاقًا وخطرًا.

أسباب اكتئاب ما بعد الولادة

يفرق العلماء بين الـ"Babyblues" وهو ما يمكن ترجمته بكآبة ما بعد الولادة أو حزن ما بعد الولادة، والـ"postpartum depression" أو اكتئاب ما بعد الولادة. ويمر أكثر من 95% من الأمهات بالحالة الأولى بسبب الهرمونات وعدم انتظامها، وكذلك ألم الولادة وغيرها من العوامل الصحية والنفسية. بينما قد يصل الأمر ببعضهن إلى المرور باكتئاب ما بعد الولادة بنسبة قد تصل إلى 80% أو أقل، حسب شخصية كل سيدة واختلاف الظروف المحيطة بها وطبيعة شخصيتها وظروف الولادة نفسها.

  1. ظروف الولادة: في حالة "باسنت"  تحكي أن ظروف ولادتها القيصرية جعلتها تدخل في حالة تسمى كآبة ما بعد الولادة، لأن الولادة القيصرية تمنع الأم من ملامسة طفلها بعد الولادة مباشرة، وهو أمر له تأثير كبير في التقليل من توتر الأم. إضافة إلى الألم الناتج عن جرح الولادة القيصرية، في ظل وجود الخلل الهرموني والضغط العصبي، لذا فإن دعم الزوج والأسرة من الأمور الأساسية لمنع تحول كآبة ما بعد الولادة إلى اكتئاب.
  2. تحديات الرضاعة والخوف من المسؤولية: الخوف من المسؤولية الجديدة من الأمور المرعبة التي قد تدفع الأم للدخول في حالة من الاكتئاب والبكاء المستمر بعد الولادة، بالإضافة لتجربة الرضاعة. وهو ما عانت منه "ثناء" خلال تجربتها، إذ عانت من بعض مشاكل الرضاعة الطبيعية في الفترة الأولى بعد الولادة، ما أثر عليها سلبًا، ودفعها للبكاء المستمر لظنها أنها غير قادرة على تلبية احتياجات طفلتها.
  3. ضعف دعم الزوج والأهل: مع بداية تجربة جديدة وضخمة كولادة طفل، خاصة إذا كان الطفل الأول، بصبح الدعم النفسي هو أكبر سند وأكثر ما تحتاج إليه الأم. لذا فإن فقدان هذا الدعم قد يصبح سببًا أساسيًّا للاكتئاب. وهذا ما عانت منه "هنادي" بعد ولادتها، إذ وجدت نفسها وحيدة وسط انشغال أقرب الأشخاص إليها عنها، ومسؤولة عن رعاية طفل صغير لا حول له ولا قوة، في حين أنها في أشد الحاجة للدعم والمساعدة، فكانت تشعر بالإنهاك المستمر وبالتالي بدأت حالتها النفسية في التدهور مع الوقت.

أعراض اكتئاب ما بعد الولادة

تختلف الأعراض من أم لأخرى، ففي حالة "آيات" كان البكاء المستمر هو العرض الأساسي لفترة طويلة، وكذلك الرغبة في الشجار مع الزوج وعدم القدرة على الاهتمام بنفسها، بالإضافة إلى التفكير المتكرر في الانتحار.

أما "هنادي" فالأعراض بالنسبة لها كانت البكاء المستمر والشعور بالندم وبأن الحياة توقفت، مع فقد الشغف وعدم الرغبة في الحياة.

وبالنسبة لـ"باسنت" فكانت الأعراض عبارة عن حساسية مفرطة ورغبة في البكاء طوال الوقت، وعدم الشعور بالفرحة على عكس المتوقع، بالإضافة إلى الشعور الشديد بالقلق والخوف والإحساس بالذنب.

كيف يمكن التغلب على اكتئاب ما بعد الولادة؟

وفقًا لإجابات الأمهات على هذا السؤال، كانت الطريقة الأكثر فعالية للمواجهة، هي محاولة إيجاد طرق أخرى غير الأمومة لتحقيق الذات، خاصة للأمهات اللاتي يملكن طموحًا وتطلعات خاصة لأنفسهن.

  • بالنسبة لباسنت، قالت إنها تمكنت من الخروج من دائرة الحزن والكآبة بعد الولادة عن طريق العودة لممارسة أنشطة جديدة وكسر الروتين اليومي، وتخصيص وقت ولو قليل للعناية بنفسها. وكانت تطلب المساعدة والدعم من الآخرين وقت الحاجة، حتى تمكنت من استعادة عافيتها وصحتها الجسدية والنفسية بعد الولادة.
  • بعض الأمهات اتجهن لممارسة هواياتهن المفضلة في محاولة لإعادة إحساسهن بالشغف تجاه الحياة، فتحكي لنا "آيات" أنها قررت عمل تحدٍّ للطبخ عن طريق تتفيذ وصفات كتاب الطهي المفضل لها ومشاركة تعليقات صديقاتها عليها، ما ساعدها على رفع الروح المعنوية لديها مرة أخرى.
  • أما "هنادي" فاعتمدت على أكثر من وسيلة لتجاوز الأمر، أولها أنها حاولت إيجاد هواية مناسبة مع مهام الأمومة وكانت الكروشيه. وتقول عنها: " بدأت في الكروشيه وابني عمره 7 أشهر، فشعرت بالإنجاز وبدأت في استعادة حماسي وشغفي". وأضافت أنها بحثت عن حضانة جيدة لاستضافة طفلها من حين لآخر، حتى تتمكن من إيجاد بعض الوقت لتجديد طاقتها واستعادة نشاطها.

يبدو أن هناك الكثير من الأسباب والأعراض لاكتئاب ما بعد الولادة، لكن الأهم أن الإهمال في التعامل معه قد يترتب عليه نتائج خطيرة، منها مثلًا الرغبة في إنهاء الحياة الزوجية نتيجة للشعور بعدم التقدير، أو الأسوأ أن يتدهور الأمر للتفكير في الانتحار أو إيذاء الطفل بأي شكل، لذا فإن الوعي الكامل بهذه الأمور قد يكون أول خطوة ناحية العلاج.

وأخيرًا، لا تستسلمي لمشاعر اكتئاب ما بعد الولادة، بل بادري بمساعدة نفسكِ بكل الطرق المتاحة، كطلب العون والتقدير ممن حولكِ. واسعي دائمًا لطمأنة نفسكِ بأنكِ قادرة على تخطي العقبات، ولا تخجلي أبدًا من استشارة طبيب نفسي لطلب النصيحة والعلاج المناسب إذا كنتِ في حاجة له.

وأخيرًا، شاركينا أنت أيضًا تعليقاتك وتجربتك الشخصية إذا كنتِ من الأمهات اللاتي عانين من تجربة اكتئاب ما بعد الولادة، وأخبرينا كيف تمكنتِ من مواجهته والتغلب عليه.

ولمعرفة المزيد من المقالات عن فترة الولادة وما تليها اضغطي هنا.

عودة إلى الحمل

موضوعات أخرى
supermama
Share via WhatsappWhatsapp IconSend In MessengerMessenger IconShare via FacebookFacebook Icon