ما إن تكتشف الأم إصابة صغيرها بالصرع، حتى تبدأ رحلة من القلق والتوتر والخوف من تأخر تطور طفلها العقلي، بالإضافة لكثير من المعتقدات الخاطئة التي تصور للأم أن طفلها المصاب بالصرع لن يعيش حياة طبيعية. والحقيقة أن الصرع مثل أي حالة مرضية يمكن السيطرة عليها والتعامل معها، فقط تحتاجين لمعرفة كيف تفرقين بين الصرع والتشنجات، وكيف تتعاملين إذا ما أصيب طفلك بنوبة صرع. لذا سنبرز لكِ في هذا المقال أهم الأسئلة الشائعة عن الصرع عند الأطفال وإجاباتها، حتى تتعاملي مع طفلك بالطريقة الصحيحة.
أسئلة شائعة عن الصرع عند الأطفال
ما الصرع؟
الصرع هو حالة عصبية تؤثر على الدماغ والجهاز العصبي، ويصاحبها نوبات أو تشنجات. ولتبسيط الأمر، فإن المخ يتكون من ملايين الخلايا العصبية التي تستخدم نبضات كهربية صغيرة للتواصل بينها، وللتحكم في وظائف الجسم وحواسه، وإذا حدث خلل في هذه الإشارات تحدث النوبة الصرعية. إذ يقوم عدد كبير من الخلايا بإرسال شحنات كهربائية في الوقت نفسه، وتطغى هذه الموجة المكثفة من الكهرباء على المخ، وتؤدي إلى تشنجات في العضلات أو فقدان الوعي أو سلوك غريب أو أعراض أخرى.
ما الفرق بين الصرع والتشنجات؟
يجب أن تعلمي عزيزتي أنه ليست كل التشنجات أو النوبات تعني بالضرورة إصابة الطفل بالصرع، فقد يصاب الطفل بالتشنجات أو الإغماء بسبب محفز، مثل ارتفاع درجة الحرارة الشديد، وانخفاض ضغط الدم المفاجئ، ونقص الأكسجين في المخ، وانخفاض السكر بالدم، أو صدمة الرأس، وغيرها.
ويمكن تشخيص النوبات التي تصيب الطفل على أنها صرع إذا حدثت أكثر من مرة دون سبب محدد، حيث تطلق فيها خلايا المخ إشارات عصبية مكثفة دون محفز وتسبب النوبة الصرعية.
وتسمى التشنجات الناتجة من الحمى بـ"التشنجات الحرارية"، وتحدث لـ3 إلى 5٪ من الأطفال، وترتبط بارتفاع درجة الحرارة، وهي بالطبع ليست صرعًا. وتأتي إما في صورة تشنج للأطراف، وفي هذه الحالة نضع الطفل على أحد جانبيه، وتبقى الأم بجانبه حتى انتهاء النوبة. وقد تأتي دون تشنجات، حيث يفقد الطفل الإدراك ويحدق لفترة دون استجابة ثم يفقد الوعي.
ويجب على الأم إذا كان الطفل مصابًا بالتشنج الحراري التصرف سريعًا بمجرد ارتفاع درجة حرارة الطفل، عن طريق استخدام كمادات المياه الفاترة وليس كمادات الثلج، وإعطائه اللبوس الخافض للحرارة.
ملحوظة: لا يجب إعطاء الطفل أدوية من خلال الفم، فقد لا يستطيع البلع ويُصاب بالاختناق.
كيف يمكن التعامل مع الطفل مريض الصرع؟ ومتى أذهب به للطوارئ؟
إذا كانت المرة الأولى التي يتعرض فيها طفلك لنوبة من التشنجات، ولا تعلمين كيفية التصرف، فيجب بالطبع الذهاب به لقسم الطوارئ، وخاصةً في الحالات التالية:
- إذا استمرت النوبات لمدة تزيد على 5 دقائق.
- في حالة تكرر النوبات على فترات زمنية قصيرة، وعدم عودة الطفل لحالته بين النوبات.
- إصابة الطفل في أثناء النوبة.
- عدم استجابة الطفل بأي طريقة بعد مرور 30 دقيقة من النوبة.
- إصابة الطفل بصعوبة في التنفس.
- أما إذا لم تزد النوبة على دقيقتين، فيمكن الذهاب لطبيب الأطفال للاطمئنان على حالته.
كيف يتم تشخيص الصرع؟
سيجري الطبيب فحصًا كاملًا للطفل، يتضمن مجموعة من الاختبارات أهمها:
- صورة الدم الكاملة.
- التخطيط الكهربائي للدماغ (رسم المخ).
- التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ أو فحص الـCAT.
وسيقوم الطبيب بسؤالك عن الأعراض التي تحدث للطفل في أثناء النوبات، ويجب عليكِ الإجابة بدقة متناهية حتى يستطيع تحديد ما إذا كانت نوبة صرعية أو تشنجات نتيجة لسبب آخر.
ما علاج الصرع؟
سيصف الطبيب غالبًا لطفلك أدوية مضادة للصرع، وعادةً لن يصفها إذا حدثت النوبة مرة واحدة فقط. ويجب مراقبة الطفل في أثناء فترة العلاج، فالكثير من الأدوية المضادة للصرع يكون لها آثار جانبية مثل:
- الشعور بالنعاس.
- الشعور الدائم بالضعف ونقص الطاقة.
- الصداع.
- الرعشة.
- تساقط الشعر.
- طفح جلدي (ويجب استشارة الطبيب في حال ظهور طفح، فذلك قد يعني وجود حساسية من المادة الفعالة للدواء).
- قيء.
وعليكِ إخبار الطبيب إذا ما ظهرت أحد هذه الأعراض الجانبية، للاطمئنان على طفلك أو تغيير نوع الدواء. ولا تحاولي وقف الدواء حتى إذا توقفت النوبات إلا بعد استشارة الطبيب، فتوقف العلاج المفاجئ قد يعيد النوبات من جديد ويزيد حدتها، لذا ينصح الأطباء دائمًا بوقف أدوية الصرع بطريقة تدريجية.
وقد يحتاج الطفل إلى عملية جراحية لإزالة جزء صغير من المخ، والذي يتسبب في حدوث النوبات، وهو أمر يحدده الطبيب بعد الفحوصات والاختبارات. كما أن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن "رجيم الكيتو" قد يساعد على تحسين حالة مريض الصرع، وتقليل حدة النوبات.
كيف تتعامل الأم مع الطفل خلال النوبة؟
حاولي ألا تفزعي عزيزتي، وحافظي على هدوئك حتى تتمكني من حماية الطفل خلال نوبة الصرع، واحرصي على اتباع الخطوات التالية:
- ضعي الطفل على أحد جانبيه على الأرض أو على السرير، وابقي جانبه.
- حاولي حساب الفترة الزمنية التي تستغرقها كل نوبة، وراقبي تحركاته وسلوكه.
- لا تضعي أي شيء داخل فم الطفل، ففي أثناء النوبة لن يستطيع الطفل بلع أي شيء وقد يصاب بالاختناق لا قدر الله.
- لا تحاولي تقييد الطفل خلال التشنجات، فقط ابقيه على جانبه حتى لا يُصاب بالاختناق، فالاستلقاء على الظهر قد يجعل الطفل يختنق بسبب عدم قدرته على بلع اللعاب.
- ابقي إلى جانب طفلك حتى يستعيد وعيه وإدراكه، إذا كانت النوبة بلا تشنجات، فقط تحديق أو بربشة أو عدم إدراك.
كيف يعيش الطفل المصاب بالصرع؟
بالمتابعة مع الطبيب وتوفير الأمان الكافي، يمكن لأغلب الأطفال المصابين بالصرع عيش حياة عادية والمشاركة في الأنشطة وممارسة الرياضة، ولكن تحت إشراف الأم أو الأب، وخاصةً في السباحة حتى لا يتعرضوا إلى أي سوء. والانتباه جيدًا عند الاستحمام، تحسبًا لحدوث نوبة خلال وجودهم في الحمام.
الصرع البؤري (الجزئي)
هو نوع من الصرع يُعرف أيضًا بالصرع الجزئي لا تحدث فيه تشنجات، ويحدث الصرع البؤري نتيجة إشارات كهربائية كثيفة تصيب منطقة واحدة أو أكثر في جانب واحد من الدماغ. وتشتمل على لحظات قصيرة من غلق وفتح العين بصورة سريعة ومتكررة (البربشة)، أو التحديق لفترة من الوقت وعدم الإدراك. وعادةً ما تبدأ النوبات فجأة وتستمر لثوانٍ معدودة قبل أن تتوقف فجأة أيضًا، ويوجد نوعان للصرع البؤري:
- الصرع البؤري البسيط: وتعتمد أعراضه على منطقة الدماغ التي تتأثر بالإشارات الكهربائية، فمثلًا إذا أصابت جزء الدماغ الذي يحتوي على مركز الإبصار، فقد تضطرب الرؤية لدى الطفل. وفي كثير من الأحيان تؤثر النوبة على مجموعة من العضلات، مثل الذراعين والساقين فتحدث انقباضات، أو يصاب الطفل بالتعرق والشحوب والغثيان، ولا يصاحب هذا النوع فقدان للوعي.
- الصرع البؤري المعقد: وتحدث النوبة في هذا النوع في مراكز المخ المتحكمة في العاطفة والذاكرة، أو كما تُعرف بـ"الفص الصدغي". ومن المحتمل أن يفقد الطفل الوعي، أو يبدو متيقظًا لكنه يتوقف عن إدراك ما حوله. مع تغير مفاجئ وغير مبرر في السلوك، مثل الركض والصراخ والبكاء والضحك بشكل هستيري، وبعد انتهاء النوبة يشعر الطفل بالتعب الشديد أو النوم مباشرةً.
هل يشفى الطفل من الصرع؟
بالطبع كل أم تتمنى ألا تشعر بالقلق دائمًا على صحة طفلها، وألا يستمر الصرع لديه طوال العمر. ولكن لا يوجد دواء شافٍ تمامًا للصرع، ولكن تعمل الأدوية المضادة للصرع على منع النوبات والتشنجات، أو تقلل عددها بشكل كبير، حيث تختلف استجابة كل طفل للأدوية بحسب عمره وحالته الصحية ونوع النوبات. وفي بعض الحالات، مثل صرع الطفولة الحميد، الذي يصيب الأطفال من عمر 3 سنوات، ولا تحدث فيه تشنجات، إذ إن الطفل يُشفى من المرض في فترة البلوغ.
عزيزتي، الصرع عند الأطفال حالة مرضية مثل أي مرض آخر يمكن التعامل معه والسيطرة عليه، فقط استمري على الدواء الذي يصفه الطبيب، وأمّني طفلك قدر الإمكان. واطمئني، يمكن لطفلك ممارسة حياته بصورة طبيعية دون أن يؤثر الصرع على نمط حياته أو قدراته الذهنية والبدنية، فقط حاولي الوجود معه في أثناء الأنشطة الرياضية، وإخبار المشرفين بالمدرسة عن حالته الصحية حتى يمكن التعامل معه في حال تعرضه لإحدى النوبات.
يمكنكِ معرفة المزيد عن كل ما يخص تغذية وصحة الأطفال مع "سوبرماما".