تتساءل عديد من الأمهات، هل يمكنني أن أعاقب طفلي وأبدأ تأديبه بمجرد تمام عامه الأول؟ لنفهم ذلك علينا أولًا إدراك ما هو العقاب، العقاب هو إحداث ألم بدني أو معنوي للطفل ليتوقف عن سلوك معين، والعقاب المتعارف عليه في البيئة والمجتمعات العربية لا يرتبط بسلوك الطفل للأسف، بل تستخدم بعض الأمهات منع شيء يحبه الطفل عقابًا عن خطأ من نوعية أخرى، كأن تمنعه من التلفاز بسبب ضربه لأخيه، فهل العقاب المعروف في مجتمعاتنا أمر تربوي ناجح؟ في هذا المقال نجيبك عن تساؤلك "كيف أعاقب طفلي عمره سنة؟" ونعرفك تأثير عقاب الطفل في عمر سنة عليه.
كيف أعاقب طفلي عمره سنة؟
الجملة الفاصلة في هذا الأمر، هو أنه لا عقاب لهذه السن أبدًا، ألا يقولون "دللـه سبعًا وأدبه سبعًا"؟ في الحقيقة تعديل سلوك الطفل يمكن أن يبدأ من عمر العام، لكن بوسائل مختلفة عن العقاب، لأن إدراكه لا يزال غير مكتمل حتى السابعة، وبالتالي فأساليب العقاب لن تكون مجدية وستظل مؤذية له ولنفسيته ولعلاقته بأمه وأبيه، فتأثير العقاب على نفس الطفل سيرسم شخصيته بسلبيات غير مطلوبة قد تؤثر في تكوينه.
إذن، كيف يمكنني كأم تقويم سلوك الطفل دون معاقبته؟
استبدلي العقاب بالتوجيه، هناك فرق بين العقاب وشرح عواقب الخطأ بطريقة التوجيه، وهذه هي الطريقة الإيجابية للتعامل مع السلوكيات الخاطئة لطفلك كما يراها التربويون حتى سن السابعة، بل يرى بعضهم حتى سن العاشرة، لكن كيف تشرحين له فكرة العواقب وتوجهي الطفل في هذه السن الصغيرة إلى فكرة عواقب السلوك الخاطئ، مع العلم أن السلوك الخاطئ في هذه السن هو أخطاء بسيطة جدًا، فأخطاء هذه السن لا تتعدى رفضه للطعام أو لعبه بأشيائك الخاصة أو وضع يده بجانب الكهرباء أو استمراره في البكاء مصرًا على شراء شيء ما، وما إلى ذلك.
إذن، كيف تتعاملين مع تصرفات أبنائك الخاطئة والحسنة؟
يمكنك القيام بذلك من خلال طريقتين:
- العواقب الطبيعية: تحدثي مع الطفل، لا تتعجبي وتظني أنه لن يفهمك أبدًا في عامه الأول، إن نظرت إلى سلوكياته العامة ستجدين أنه قد أصبح أكثر فهمًا لبعض المهارات والقدرات كأن تطلبي منه أمرًا ما، لذلك فالحديث معه سيكون مفهومًا بمستوى إدراك بسيط طبعًا.
مثال على ذلك: طفلك يرفض ارتداء جواربه في الشتاء، عليك أن تحاولي عدة مرات بالمحايلة والإجبار اللطيف كأن تجعليه يرتديه وأنت تحتضنيه وتقبليه، فإن امتثل لذلك فهذا جيد، وإن رفض اتركيه إلى أن تبرد قدمه ثم قولي له ها قد أصبحت قدمك باردة واجعليه يمسك قدمه بيديه بنفسه، ثم ألبسيه الجورب مرة أخرى بالإجبار، لكن الإجبار اللطيف دون عنف أو صراخ، ويمكنك أن تجعليه يرتدي جوربًا طويلًا لا يستطيع خلعه بسهولة مثلًا.
- العواقب المنطقية: اجعليه يصلح ما أفسده بمساعدتك، ومثال ذلك أن تنبهي صغيرك لعدم سكب الحليب على الأرض، شرط أن تجلسيه في مكان جيد ولا تملئي الكوب تمامًا ليستطيع حمله، فإن سكبه رافضًا أن تقدميه له بيديك فعليك أن تجعليه ينظف الحليب من الأرض بمساعدتك بالطبع، لكنه سيتعلم بالتدريج والارتباط الشرطي ذلك، وبالمرة تلو المرة سيجري مهرولًا ليساعدك إن انسكب منك شيء.
لكن على الجهة الأخرى، كوني منطقية، فلا تصرخي مطالبة إياه بترك الكهرباء وأنت تتركينها مكشوفة، فالطفل في عمر عام أو عامين ليس قادرًا على فهم الخطر من حوله.
مثال آخر: عندما يبكي الطفل في المحل لشراء لعبة معينة ويصر عليها، فالحل هنا انزلي على ركبتيك ليصبح نظرك في مستوى نظر طفلك وأخبريه بحزم هادئ أن هذه اللعبة غير مناسبة مثلًا، وأنه يجب أن يتوقف عن البكاء وإلا لن تشتري له أي لعبة، لا تصرخي فيه، بل اشرحي له، وإن ظل يبكي ويصرخ بالفعل، افعلي ما قلتِه دون صراخ.
هل يصلح النقاش مع الطفل في عمر سنة؟
نعم، طريقة النقاش صالحة لكل الأعمار، صحيح أن بعض الأطفال في أول سنتين من أعمارهم يدركون طريقة الأم ويستجيبون لها، بينما لا يدرك بعضهم الأمر، لكنها ستظل صالحة لكل الأعمار، وإن كانت هناك بعض الطرق المخصصة لمراحل عمرية أكبر عند وصول الطفل لعمر العاشرة مثلًا.
وقد لا يدرك الطفل أن هناك سلوك صحيح وآخر خاطئ، فهو ما زال في مرحلة اكتشاف العالم من حوله وأنت مرآته لهذا الواقع، لذا يجب تأسيسه بطريقة تخلو من الإهانة ومبدأ العقاب البدني أو النفسي، فأي تصرف يفعله الطفل في هذا العمر لا يعني به القيام بسلوك خاطئ لأنه لا يدرك بعد هذا المعنى، ويمكن عندها اتباع إحدى هذه الطرق:
- شتتي انتباهه بطرق أخرى مختلفة أو لشيء آخر يحبه، وطبقي الطريقة السابقة في كلمات بسيطة وواضحة، دون شرح لأفكار أو معانٍ لن يستوعبها في هذه السن.
- تجاهلي سلوكياته بعض الشيء، كأن يرتمي في الأرض مثلًا.
- احمليه مرة واطلبي منه أن يهدأ واحتضنيه، فإن صمم اتركيه لكن قولي له إن ماما تنتظرك لتصالحها مثلًا.
- لا تصرخي فيه، إذ يجب أن يشعر بوجودك جانبه وحنانك وحبك دائمًا.
تأثير عقاب الطفل في عمر سنة
إن مارست الأم العقاب بمعنى التوبيخ وبالطريقة التي لا تناسب هذه السن، فقد يتوقف السلوك الخاطئ، لكنه يترك وراءه مجموعة كبيرة من السلبيات التي يصعب علاجها ومنها:
- فتور العلاقة بينك وبين طفلك وجعلها غير مبنية على الحب وإنما على الخوف، بينما يحتاج الطفل في هذه السن إلى كامل الحب من أمه.
- ضعف ثقة الطفل بنفسه وتقديره لذاته من السنة الأولى في عمره، فيرى نفسه حتى بعد أن يكبر طفلًا غير مطيع أو يفعل على الدوام أمورًا غير مقبولة أو سيئة، وبهذا تصبح صورته الذهنية عن نفسه مشوهة.
- تكرار الخطأ مرات عدة، لعدم إدراكه في هذه السن معنى الخطأ والعقاب من الأساس.