في تسعينيات القرن الماضي، استخدم أحد الأطباء حمض الأسيتك (مادة تشبه الخل في تركيبه الكيميائي) ومسح هذا الحمض على الغشاء المخاطي لعنق الرحم، خلال فحص مهبلي بالعيادة، ولاحظ الطبيب تحوّل بعض أجزاء الغشاء المخاطي من اللون الوردي إلى اللون الأبيض، فأخذ عينات من الغشاء المتحول للون الأبيض وفحصها تحت الميكروسكوب، واكتشف إصابتها بخلايا سرطانية، ونتكلم خلال السطور التالية عن سرطان عنق الرحم، وأسبابه وأعراض الإصابة به وطرق الكشف المبكر وكيفية الوقاية منه.
أسباب سرطان عنق الرحم
في البداية، ما هو عنق الرحم؟ عنق الرحم هو جزء أنبوبي صغير من الرحم (مثل عنق الزجاجة)، يبرز داخل تجويف المهبل، وهو ضيق جدًا ومغلق معظم الوقت ويفتح مرة في الشهر بمقدار ملليمترات، ليسمح بنزول دم الدورة الشهرية، ويفتح تمامًا بمقدار عشرة سنتيمترات في أثناء الولادة، ليسمح بمرور الجنين.
وليس ثمة أسباب مباشرة لسرطان عنق الرحم، لكن في معظم حالات سرطان عنق الرحم، كانت هناك علاقة قوية بالإصابة بفيروس الحليمي البشري (HPV)، وهو أحد الفيروسات التي تنتقل بالاتصال الجنسي، وهناك عدة عوامل تساهم في الإصابة بسرطان عنق الرحم، منها:
- ممارسة العلاقة الحميمة في سن صغيرة، فالأبحاث أثبتت زيادة نسبة سرطان عنق الرحم عند النساء اللاتي مارسن العلاقة الحميمة في عمر أقل من 16 عامًا.
- ممارسة العلاقة الحميمة مع أكثر من شريك، لأن ذلك يزيد من انتقال الفيروسات والأمراض الجنسية وأهمها الفيروس الحليمي البشري.
- التدخين، حيث يؤثر النيكوتين والقطران في تحوّل خلايا عنق الرحم إلى خلايا سرطانية.
- الإصابة بأمراض جنسية أخرى، مثل السيلان والزهري.
- نقص المناعة بشكل عام يؤدي إلى ظهور أورام سرطانية.
الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم
مسحة عنق الرحم (pap smear): أهم طريقة للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم، هي مسحة من عنق الرحم (pap smear)، حيث يأخذ الطبيب في أثناء فحص الحوض بالعيادة مسحة من سطح عنق الرحم ويرسلها لتحليل الخلايا تحت الميكروسكوب. وينصح الأطباء في معظم المراكز الطبية المتخصصة، بإجراء هذا الفحص بشكل روتيني لكل السيدات من سن 21 عامًا، وتكراره كل ثلاث إلى خمس سنوات.
اختبار الخل: إذا كانت نتيجة تحليل مسحة عنق الرحم بها خلايا غير طبيعية، فإن الطبيب سيجري فحصًا أكثر دقة باستخدام منظار ضوئي وعدسات مكبرة، حيث يمسح الطبيب الغشاء المخاطي لعنق الرحم بحمض الأستيك (الحمض المكون للخل)، ويشاهد بعينيه المناطق التي تتحول إلى اللون الأبيض، ثم يأخذ منها عينة لفحص الأنسجة فحص باثولوجي.
يجرى هذا الاختبار في العيادة ودون الحاجة إلى مخدر، لكن قد تعاني السيدة من بعض الآلام، خاصة إذا أخذت عينات، وأحيانًا يحدث نزول قطرات دم بعد الفحص ويستمر يومين على الأكثر.
التحليل الباثولوجي للأنسجة (biopsy): تؤخذ عينات أنسجة من عنق الرحم في العيادة في أثناء اختبار الخل بواسطة المنظار الطبي دون تخدير، كما ذكرنا، وقد يحتاج الطبيب لأخذ عينات أنسجة أكبر حجمًا بالمشرط الجراحي أو بالتبريد ووسائل أخرى تتطلب تخديرًا كليًا في غرفة العمليات، ولا يعيق أخذ العينات حدوث الحمل والولادة بشكل طبيعي بعد ذلك، فلا داع للقلق.
هل السونار يكشف سرطان عنق الرحم؟
الإجابة لا. فسرطان عنق الرحم في مراحله المبكرة، يبدو فيه عنق الرحم طبيعيًا حتى برؤية العين المجردة، وسرطان عنق الرحم من الأورام التي تستغرق وقتًا طويلًا يصل لسنوات، حتى تحدث تغيّرات جسيمة وملحوظة.
مراحل سرطان عنق الرحم
يمكننا تقسيم سرطان عنق الرحم إلى مرحلتين طبقًا للخطورة والقدرة على علاجه:
- المراحل المبكرة: حيث تظهر خلايا سرطانية في مسحة عنق الرحم أو في فحص الأنسجة، ولكنها لا تتخطى طبقة الغشاء المخاطي لعنق الرحم.
- المراحل المتقدمة: حيث تغزو الخلايا السرطانية جدار عنق الرحم، وقد تنتشر إلى باقي أجزاء الرحم أو خارجه لتنفذ إلى المثانة أو القولون.
أعراض سرطان عنق الرحم
في مراحله المبكرة، لا يسبب سرطان عنق الرحم أعراضًا تشكو منها السيدة، ولذلك فالانتباه والكشف المبكر ضروري، أما في مراحله المتقدمة فقد تشكو السيدة من:
- نزيف بعد انقطاع الدورة الشهرية وبلوغ سن اليأس، فأي نزيف بعد انقطاع الطمث، أمر غير طبيعي في كل الأحوال.
- نزيف متكرر في غير أوقات الدورة الشهرية.
- آلام شديدة في أثناء العلاقة الحميمة أو نزيف بعدها.
- تغيّر لون الإفرازات المهبلية ورائحتها، خاصة إذا تسبب الورم في تكوين ناسور مهبلي.
كيفية الوقاية من الإصابة بسرطان عنق الرحم
- استشارة الطبيب في الحصول على مصل الفيروس الحليمي البشري (تطعيم ضد سرطان عنق الرحم)، وسؤاله عما إذا كان مناسبًا لكِ أو ضروريًا.
- إجراء مسحة عنق الرحم، فهي تساعد في الكشف المبكر ومنع تطور الورم -إذا وجد- ومن الوصول إلى مرحلة متأخرة، وكما أشرنا، ينصح الكثير من الأطباء بإجراء مسحة عنق الرحم بشكل روتيني لكل السيدات من سن 21 عامًا.
- الحرص على استخدام الواقي الأنثوي أو استخدام شريكك للواقي الذكري في أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، لتقليل فرصة انتقال الأمراض الجنسية.
- التوقف عن التدخين.
هل سرطان عنق الرحم مميت؟
سرطان عنق الرحم من الأورام البطيئة، التي تأخذ سنوات حتى تصل إلى مراحل متأخرة يصعب علاجها، لذا فبالكشف المبكر يمكن علاج أي خلايا سرطانية بسهولة، ومن ثم تتمتع السيدة بحياتها بشكل طبيعي، أما في المراحل المتأخرة التي قد يحدث فيها انتشار للسرطان إلى منطقة الحوض أو يصل إلى الرئة والكبد، فهي خطيرة بطبيعتها.
علاج سرطان عنق الرحم
العلاج يكون حسب المرحلة التي اكتشف فيها سرطان عنق الرحم، ففي بعض الأحيان، خاصة المراحل المبكرة، تكون العينة التي أخذت بمثابة استئصال للأنسجة السرطانية، ولا يحتاج الأمر أكثر من المتابعة الدورية، أما في المراحل المتأخرة، فقد يلجأ الطبيب لاستئصال الرحم واستخدام علاج إشعاعي أو كيماوي.