الكثير من السيدات لديهن معرفة مسبقة عن التغيرات الجسدية التي ستحدث لهن بعد الولادة، مثل تغيرات البشرة والشعر والوزن وحجم الثديين، ويكن على استعداد لها. إلا أنهن لا يعرفن شيئًا عن تأثير الهرمونات على الأم بعد الولادة وفي أثناء الحمل، ومدى خطورة ذلك على صحتهن العقلية والنفسية، لذا من المهم أن تكوني على علم بأنواع الاضطرابات النفسية بعد الولادة وكيفية علاجها.
تأثير الهرمونات على الأم بعد الولادة
اكتئاب ما بعد الولادة أكثر شيوعًا مما نعتقد، وخلاله تعاني الأم من تقلبات في المزاج ونوبات من البكاء والقلق وصعوبة في النوم، وتختلف شدتها من أم لأخرى، وترتبط نفسية الأم بعد الولادة بالتغيرات الهرمونية، خاصة لاثنين منها هما:
- البروجسترون: ويعد الهرمون المسؤول عن الحمل، حيث يهيئ رحمكِ لاستقبال الجنين واستيعاب نموه داخله. وكذلك فهو يعمل على محاربة إفراز هرمون الحليب خلال فترة الحمل عن طريق إفراز كمية كبيرة من البروجسترون، التي تقل بالتدريج مع اقتراب موعد الولادة. وينخفض إفراز هرمون البروجسترون فور نزول المشيمة عند الولادة، ليسمح بإفراز هرمون الحليب (البرولاكتين) لإدرار حليب الثدي. ولا تبدأ المبايض بإعادة إنتاج البروجسترون مرة أخرى حتى حدوث الدورة الشهرية الأولى بعد النفاس، وهذا يُحدث انخفاضًا مؤقتًا للبروجسترون قد ينتج عنه تقلبات في المزاج.
- البرولاكتين: وهو الهرمون المسؤول عن إدرار حليب الأم، ولكن زيادته أيضًا مرتبطة بانخفاض إفراز هرمون البروجسترون، وهرمون الدوبامين المسؤول عن شعوركِ بالنشوة والسعادة، لذا فارتفاع هرمون البرولاكتين قد يكون له دور في تقلبات المزاج، وانخفاض مستويات الطاقة، وبطء عملية الأيض بعد ولادة طفلكِ.
أنواع الاضطرابات النفسية بعد الولادة
وهي ثلاثة أنواع تختلف في درجة شدتها وفترة استمرارها:
الكآبة النفاسية (Postnatal Blues)
تحدث لأكثر من 50 إلى 80% من الأمهات، وتبدأ في أثناء الولادة وبعدها مباشرة، أو في خلال ثلاثة إلى خمسة أيام من الولادة، وتستمر لعدة أيام أو لأسبوعين على أقصى تقدير. وتعد نوعًا من اضطرابات المزاج الناتجة عن التغيرات العالية في مستوى الهرمونات، وليست مرضًا نفسيًّا.
أعراض الكآبة النفاسية:
- التقلبات المزاجية.
- الحزن العميق.
- القلق.
- البكاء المستمر.
- عدم القدرة على التركيز.
- الأرق وصعوبة النوم.
- اضطرابات الشهية.
- الشعور بالتعب.
علاج الكآبة النفاسية:
عادة ما تختفي من تلقاء نفسها خلال بضعة أيام، وكل ما عليكِ فعله هو:
- الاسترخاء قدر الإمكان.
- الحصول على الدعم من العائلة والأصدقاء.
- التحدث مع سيدات عانين بعد الولادة من أعراض اكتئابية.
- استشارة طبيب، لمساعدتكِ على تجاوز مشاعر الحزن والقلق.
اكتئاب ما بعد الولادة (postnatal depression)
يحدث لـ10 إلى 20% من الأمهات بعد الولادة، وله أعراض الاكتئاب السريري نفسها، ولكنه يحدث بعد الولادة، ويمكن أن يبدأ في أي وقت بعد الولادة وخلال عام منها، وتبلغ شدته القصوى بعد أربعة أسابيع من الولادة، وتتراوح الأعراض المصاحبة له بين البسيطة والشديدة في حدتها. وعادة ما تتأثر به الزوجات اللواتي يعانين من الخلافات الزوجية أو تعرضن لانتكاسة عاطفية قبل فترة قصيرة من موعد ولادتهن، أو لديهن تاريخ مرضي من الاكتئاب سواء خلال حمل سابق أو أي أوقات أخرى، أو إذا كان المولود يعاني من مشاكل صحية أو احتياجات خاصة.
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة:
- التقلبات المزاجية الحادة.
- البكاء المستمر.
- نوبات القلق والهلع.
- عدم الاهتمام بالرضيع، وعدم القدرة على التعلق به.
- العزلة وتجنب الأهل والأصدقاء.
- اضطرابات الطعام (فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام).
- اضطرابات النوم (الأرق أو النوم لفترات طويلة).
- الشعور بالإرهاق والعصبية.
- الشعور الدائم بالذنب وانعدام القيمة، والخوف من ألا تكوني أمًّا جيدة.
- فقدان الرغبة الجنسية.
- تشوش التفكير وانعدام القدرة على التركيز.
- أفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل.
- الأفكار الانتحارية.
علاج اكتئاب ما بعد الولادة:
عادة ما تتحسن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة مع استخدام العلاج المناسب، ولكن عليكِ عدم التوقف عن العلاج بمجرد شعوركِ بالتحسن، حتى لا تتعرضي للانتكاس مرة أخرى. وفي بعض الحالات قد يتحول اكتئاب ما بعد الولادة لاكتئاب مزمن، وفيما يلي بعض طرق العلاج:
- المشورة النفسية على يد أخصائي لديه خبرة في علاج حالات اكتئاب ما بعد الولادة، فهو سيساعدك بشكل كبير في التعرف على أفضل الطرق للتعامل مع مشاعركِ، والتعبير عن مخاوفكِ، وحل مشكلاتكِ والتأقلم مع وضعكِ الراهن، أيضًا سيلعب التواصل الاجتماعي من خلال مجموعات الدعم أو الأصدقاء دورًا مهمًّا في تحسنكِ.
- تناول الأدوية المضادة للاكتئاب يخفف من الأعراض إن لم تكن المشورة النفسية كافية، ومن المهم مناقشة خطتكِ العلاجية مع الطبيب -خاصة إذا كنتِ ترضعين طبيعيًّا- حتى يحدد لكِ دواءً ليست له آثار جانبية على رضيعكِ.
- ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي والابتعاد عن الكافيين، كلها أمور يمكن أن تحسن من حالتكِ المزاجية وتقلل أعراض الاكتئاب بنسبة كبيرة.
ذهان ما بعد الولادة (puerperal psychosis)
وهى حالة نادرة الحدوث، تحدث لأقل من 1% من الأمهات بعد الولادة، وتظهر في غضون أول أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الولادة، وهو الأخطر سواء للأم أو الطفل. وتتشابه أعراضه مع أعراض مرض الذهان العام مثل الهلاوس والأوهام، وغالبًا ما تنتحر السيدات اللاتي يعانين من ذهان النفاس أو يقتلن أطفالهن، وغالبًا ما يكن غير مدركات للأعراض اللاتي يعانين منها.
أعراض ذهان ما بعد الولادة:
- أفكار وسواسية بشأن المولود.
- الهلاوس والأوهام.
- فقدان الإحساس بالزمان والمكان.
- عدم القدرة على وقف النشاط والطاقة المفرطة.
- الارتباك الشديد وفقدان الذاكرة.
- اضطرابات النوم.
- رفض تناول الطعام.
- جنون العظمة (البارانويا).
- محاولات إيذاء النفس أو إيذاء المولود.
علاج ذهان ما بعد الولادة:
يجب إدخال الأم التي تعاني من ذهان ما بعد الولادة إلى المستشفى فورًا لتلقي العلاج، ويتضمن ما يلي:
- العلاج بمضادات الذهان ومثبتات الحالة المزاجية أو مضادات الاكتئاب، وأغلب الأدوية السابقة لا ينصح بتناولها للسيدات المرضعات، لذا ينصح بتوقف الأم عن الإرضاع.
- العلاج بالصدمات الكهربائية لإحداث بعض التغييرات في كيمياء المخ، للتقليل من أعراض الذهان في حالة عدم الاستجابة للعلاج بالأدوية.