أحضرت لطفلتي الصغيرة قصة تدور حول الكذب، وكيف أنه عادة سيئة تؤثر على الجميع بطريقة مؤذية، أقرأها لها يوميًّا رغم أنها لا تعي هذا الأمر بعد. ولكنني أعرف أن الكذب من العادات التي تبدأ بشكل مرح وبسيط مع الأطفال ثم تكبر وتكبر، حين يبدؤون في اختلاق الحكايات ومعالجة مشكلاتهم الصغيرة من خلال اللجوء للكذب، حتى لو كانت كذبات صغيرة وعفوية، ولكن إن أهملت ستكبر ويصبح الطفل كذابًا. ولكن هناك كثير من الأمهات والآباء لا يستطيعون أن يفرقوا بين الكذب والخيال عند الطفل، فتعرفي على الفرق بينهما معنا اليوم وطرق التعامل الصحيحة مع طفلك.
الفرق بين الكذب والخيال عند الطفل
منذ أن يعي الطفل ما حوله ويبدأ في الكلام والتعرف على البيئة المحيطة به وحتى بلوغه سن السادسة تقريبًا، لا يستطيع أن يُفرق بين الحقيقة والخيال، ويكون خياله واسعًا وعقله خصبًا وممتلئًا بالأحداث والقصص الخيالية، وربما يحكي عن صديق خيالي أو عدد من الأصدقاء الخياليين. وعندما يختلق الأطفال قصصًا خيالية أو يبالغون في سرد تفاصيل شيء ما، فإنهم على الأغلب يعبّرون عما يتمنّون حدوثه، لذا سيكون خطأ فادحًا أن يؤنَّبواا على ذلك أو يُعاقبوا على أنهم كاذبون.
كيفية التعامل مع الطفل الخيالي
في مثل هذه المواقف التي يسمح فيها الطفل لخياله الواسع بأن يتصدر، ويقول أمورًا لم تحدث أو يظل يحكي عن أصدقائه الخياليين، يجب ألا تتعاملي مع طفلك على أنه كاذب أبدًا، ولا تضخمي الأمور ولا تعطيها حجمًا كبيرًا. كل ما عليك هو أن تستمعي لطفلكِ وتجاريه في الحديث، فهذا سيطلعك على الكثير من أفكاره ومخاوفه. وإن شعرت بأنه يكذب ويكرر كلامه مصرًّا على قول المعلومات الخاطئة، انظري إليه بجديّة وقولي له إنه من الخطأ أن نكذب، وعلينا دائمًا أن نقول الحقيقة، وقد يكون من المناسب أن تعبّري لطفلك عن سعادتكِ به عندما يقول الصدق، وأن عدم قوله للصدق يجعلك حزينة وغير مرتاحة.
لماذا يكذب الطفل؟
يلجأ الطفل إلى الكذب عن عمد في عدة حالات، منها:
- الخوف من العقاب.
- الرغبة في لفت الانتباه، والحصول على المدح.
- الرغبة في تجنب سخرية الآخرين.
- الرغبة في حماية صديقه أو أخيه من اللوم والعقاب.
- الكذب بهدف التفاخر بعمل بطولي، نظرًا لنقص شعوره بالحب والاهتمام.
علاج الكذب عند الأطفال
عليكِ كأم أن تنتبهي إلى كذب طفلك وأن تحددي سببه، فمعرفة سبب الكذب أهمّ من الكذب في حد ذاته، لأنكِ عند بحثك عن محرّك الكذب وسببه ستكتشفين خلفيات الموضوع، وستدركين تفاصيل مهمة تتحكم في سلوك طفلك، وعندها ستستطيعين حل مشكلة الكذب ومعالجتها.
وتؤكد الدراسات أن الأطفال الذين يلجأون للكذب في سن صغيرة يتمتعون بذكاء أكبر من أقرانهم الذين لا يكذبون، فعلى الرغم من أن الكذب عادة بغيضة، فإنه يدل على ذكاء طفلك وخياله الواسع. لذلك تعاملي بحرص وحكمة مع كذباته الصغيرة، وحاولي التفريق بين الكذب وتعبيره عن أحلامه وخيالاته. لا تصفيه أبدًا بالكاذب أو سيئ الخلق، حتى لا ترسخي هذه الصفة في ذهنه، بل حاولي توضيح قيمة الصدق والصراحة له من خلال المواقف اليومية التفاعلية.
كوني قدوة لطفلك، فكذباتك الصغيرة أمامه تجعله يلجأ لمثل هذا الأمر، مثل إنكاره لوجودك عند التحدث على الهاتف أو وعده بشيء ومخالفة هذا الوعد... وهكذا، وحتى إن كانت كذبات مرحة وعفوية حاولي تجنبها كي لا يقلدك.
واعلمي أن جميع الأطفال يعشقون القصص ويهوون الحكايات، إنها فرصة مناسبة للغاية لغرس قيمة الصدق في نفس الطفل، سواء عن طريق قصة خيالية كراعي الغنم الكذاب أو عن طريق قصة حقيقية في التاريخ، وقد يكون مناسبًا أن تحكي له مواقف مررتِ بها أنت شخصيًّا واستفدت فيها من الصدق، ولتكن قصصًا مشوقة ومثيرة للخيال عند الطفل، واجعليه يشارك فيها ويتفاعل معها ويتوقع نهايتها.
وبعد ذلك قد يتفاعل الطفل ويحكي لكِ هو قصة سمعها أو موقفًا مرّ به وكان الصدق سبب نجاته، أو كذب فيه لأنه لم يعرف كيف يتدبر أمره، لكن تذكري، إن هذه الجلسة تعد جلسة صراحة وتواصل، فلا توقعي عليه العقاب لأنه اعترف بكذبه.