في ظل هذه الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تحوم فوق رؤوسنا، علينا كأمهات أن نتخذ احتياطاتنا، لأن أول من يتأثر سلباً بالأزمات الاقتصادية هي الأسرة، لذلك ابتداءاً من اليوم وعلى مدار الأيام القليلة القادمة، سنعرف معاً كيف نواجه أية أزمات قادمة؟ كيف نتعامل معها؟ وكيف ننجو منها بأقل خسائر ممكنة؟
ولكن أولاً لابد أن نعرف كيف تؤثر الأزمة الاقتصادية لبلد على الأسرة؟
طرحت هذا السؤال على د. مدحت نافع، مدير عام قسم إدارة الأزمات بالبورصة المصرية، فأجابني قائلاً:
- الأثر الذى يمكن أن تمرره أزمة اقتصادية لدولة ما على الأسرة يأخذ أكثر من وجه، فالأثر يختلف باختلاف نوع و حدة الأزمة أولاً، كما أنه يختلف أيضاً باختلاف طبيعة والمستوى الاقتصادى للأسرة لدى حدوث الأزمة، فمثلاً أزمة التضخم هى ارتفاع فى أسعار حزمة من السلع يتم تتبعها عبر الزمن لتقدير القوى الشرائية للعملة المحلية.
- فمثلاً الجنيه المصرى الذى كان يستطيع أن يشترى عشر بيضات منذ خمسة أعوام يمكنه فقط أن يشترى بيضتين هذا العام، وذلك لأنه ورغم ثبات السلعة محل الشراء «وهى البيض فى هذه الحالة»، غير أن سعر البيض قد ارتفع مع ارتفاع المستوى العام للأسعار وأصبح الجنيه غير قادر على شراء نفس عدد الوحدات من السلعة، الذى كان بمقدوره أن يشتريه فى السابق. ( اقرأي أيضا : المـيـزانية لعبة جميلة )
- فأزمة التضخم تضرب أول ما تضرب الأسرة وميزانيتها المحدودة، والمقسمة سلفاً على عدد من السلع والخدمات مثل خدمات المواصلات ومصروفات المدارس والدروس الخصوصية.. فإذا ما ارتفعت أسعار هذه السلع والخدمات بنسبة تفوق الارتفاع السنوى فى الرواتب والمعاشات، فهذا يعنى أن الأسرة مضطرة إلى التخلّى عن وحدة أو أكثر من السلع والخدمات التى اعتادت استخدامها فى السابق، أو حتى التخلّى عن سلعة أو خدمة بصورة مطلقة، بحيث تدخل تلك السلع فى قائمة السلع الرفاهية بالنسبة لهذه الأسرة.
- وللأسف أن أسرة فقيرة إذا ما اجتمعت عليها مشاق الحياة والغلاء، فإنها تخرج أبنائها من التعليم الذى يبدو ظاهرياً مجانياً، لكنه يكبّل الأسرة بمصاريف النقل والملابس والدروس الخصوصية فضلاً عن تكلفة الفرصة البديلة، والتى تعنى ببساطة أن هذا الطفل الملتحق بالتعليم يمكنه أن يجنى مبلغاً من المال لو أنه احترف صنعة وإن كانت غير مناسبة لعمره.
- كذلك أزمة البطالة والتى ارتفعت معدلاتها بشدة فى صفوف المتعلمين، تعنى أن التضحية التى قبلتها الأسرة على مضض بإلحاق أبنائها بالتعليم على اختلاف مستوياته، أملاً فى أن يجنى هذا الطالب عائداً من وظيفته المستقبلية تخرج خاسرة من تلك الصفقة، كما يخرج العاطل المؤهل مصاباً بأمراض نفسية وتشوّهات فى نسقه القيمىكفيلة بأن تجعله عبئاً على الأسرة وعلى المجتمع. ( اقرأي أيضا : كيف توفرين في ميزانية الملابس )
- وقديماً كان الاقتصاديون يعالجون أزمة البطالة بضخ النقود فى الأسواق لزيادة المعروض النقدى، فيؤدى العلاج إلى أعراض حادة فى أزمة التضخم، والتى تعتبر الانعكاس الحتمى لزيادة المعروض النقدى مع ثبات كافة العوامل الأخرى على حالها، فالأسرة التى اعتادت أن تنفق مائة جنيه على احتياجاتها اليومية بدخل يومى مقداره مائة وخمسين جنيهاً، سوف تلبى ذات الاحتياجات بدخل يومى مائتي جنيه، إلا أن الباعة ينتبهون إلى هذا الفائض النقدى، فيحاولون التهامه فى صورة ارتفاع فى الأسعار، تماماً كما يحدث عندما يعلن فقط عن صرف علاوة نقدية، فإن مختلف السلع ترتفع أسعارها بمقدار هذه العلاوة، لأن الاقتصاد بخلاف العلوم الأخرى تلعب فيه التوقعات المستقبلية دوراً حاكماً، فإذا توقّع الناس ركوداً تصرفوا لاشعورياً بطريقة تساعد على الإسراع بحدوث الركود، وكذلك إذا توقّعوا الرواج ومع سرعة تداول الأخبار والمعلومات فى هذا الزمن، فإن انتقال أثر الازمة يحدث بشكل سريع «مفاجئ»، لكن تكتمل دورته وينتهى أيضاً بشكل سريع وهذا هو الفرق بين أزمة الكساد الكبير التى بدأت عام 1929 واستمرت لسنوات، وأزمة الرهن العقارى التى تفاقمت عام 2008 ومرّت أسوأ مراحلها سريعاً.( اقرأي أيضا : ميزانية الطوارئ المنزلية )
- كيف إذاً تتعامل الأم مع ارتفاع الأسعار المستمر مع ثبات الدخول؟
- يجيب د.نافع: ارتفاع الأسعار لا يأتى على غير توقّع فأسعار غالبية السلع والخدمات ترتفع بشكل مستمر، وذلك على عكس الدخول التى ترتفع بالكاد 10% سنوياً، فإذا كان معدل التضخم السنوى «الرسمى» قد اقترب من 5%، فإن التضخم يلتهم نصف الزيادة فى الدخل.
- وبالتالى فعلى الأم أن تضع فى اعتبارها أن مصدر الدخل الذى تحصل عليه هو فى تناقص مستمر، كما أن الودائع البنكية «الأكثر أماناً فى الادخار» عادة ما تدر عائداً سنوياً يأكله التضخم، وبالتالى فكلما أمكن للأم التى يتوافر لديها فوائض للادخار أن تستثمرها فى أنشطة استثمارية تدر عائداً يزيد عن 20% سنوياً، فهذا يوفّر ضماناً جيداً لها ولأسرتها.
- أما إذا كان الوضع مثل معظم الأسر المصرية التى توفّر بالكاد احتياجاتها الاستهلاكية فهناك أنشطة استثمارية جيدة يمكن أن تبدأ بأقل رأس مال متاح، مثل أنشطة إعداد الوجبات المنزلية، التى انتشرت مؤخراً لمساعدة المرأة العاملة على الاضطلاع بواجباتها المنزلية، وهى أيضاً نوع من الأنشطة التى يعمل فيها المجتمع بصورة تعكس حالة التكافل، لأن الإنسان بات يدرك أن رأسماله الحقيقى هو الوقت، وبالتالى فمع الغلاء المستمر لا مناص من استثمار كل دقيقة فى العمل بنشاط منتج يتكامل مع الجيران والأصدقاء، ويلبى معظم احتياجات الأسرة ولو بصورة عينية مثل القيام بإعطاء دروس تعليمية للجيران أو خدمات علاجية مثلاً - للمختصين - مقابل سلع وخدمات أخرى، تمثّل فائضاً لدى دائرة المعارف والجيران.. وهكذا.
في الجزء الثاني من السلسلة نستكمل حديثنا ونفتح الباب للكلام عن الميزانية وكيفية إعدادها.