كثيراً ما نجد بعض الأمهات يعاقبن أبنائهن عقاباً يفوق حجم الخطأ الذى ارتكبوه، وقد ينفعل الزوج بشدة لكلمة بسيطة قالتها زوجته، والكثيرون منا يشعرون بالضيق والعصبية بلا سبب واضح، وفى أحيان كثيرة نتفوه بكلمات أو نأتى أفعالاً ثم نندم عليها، وقد نشعر بضيق من أحد الأشخاص ونجد أنفسنا وكأننا مدفوعين إلى إساءة معاملته أو مضايقته، وقد نشعر لذلك بالذنب، لكننا لا نعرف لماذا نفعل ذلك، ولا كيف نكف عنه.
إذا وجدتِ نفسك فى واحد من هذه الأمثلة أو أكثر، فأنتِ بحاجة إلى تنمية ذكائك العاطفى، الذى يعد مهارة لا غنى عنها لأى إنسان.
ما هو الذكاء العاطفى؟
إنه القدرة على التعامل مع المشاعر بشكل صحى، وله بعض المكونات:
إدراك المشاعر:
هو القدرة على تسميتها وتحديدها بدقة "إحباط، ندم، ذنب، غضب.. إلخ"، وليس فقط قولك أنا متضايقة.
التعبير عن المشاعر:
يساعدنا على إدراك مشاعرنا بوضوح أكبر وعلى إجادة التعامل معها، كما أن مشاركة مشاعرنا مع الآخرين يخفف عنا حملها، خاصة عندما نجد من يشعر بنا، وكذلك عندما ندرك أننا لسنا وحدنا الذين نعانى، ويمكنك التعبير من خلال:
- الكتابة: اكتبى حتى إذا كنتِ لا تعرفين ما تكتبين، فالوضوح يأتى مع الكتابة.
- التحدث إلى إحدى المقربات: والتى يجب أن تكون أمينة، مستمعة جيدة، متفهمة لا تلوم ولا تحاول فرض رأيها.
إدارة المشاعر:
- هى القدرة على التصرف بشكل سليم، وبالشكل الذى يتناسب مع مشاعرك ومع الموقف.
- لكى تعرفى كيف يمكنك إدارة مشاعرك.. دعينى أشرح لكِ كيف تحدث المشاعر.
- إن ما يجعلنا نشعر بإحساس معين ليس الأحداث التى نمر بها، لكن تفسيرنا أو طريقة «تفكيرنا» فى هذه الأحداث.
مثال عن التصرف بذكاء عاطفى:
- حدث: زوجى شارد وأنا أحدثه.
- أفكارى أو تفسيرى للحدث: زوجى لا يهتم بى ولا يحبنى.
- الشعور: الغضب والإهانة.
- نفس الحدث يمكن تفسيره بطريقة أخرى: يبدو أن لديه مشكلة أو أنه مرهق.
- الشعور: الحنان، القلق عليه.
ولاحظى أن هناك فرقاً بين الأفكار والمشاعر، وانتبهى إلى خطورة الخلط بينهما، إن المشاعر يجب أن تُقبل، فى حين أن الأفكار يجب أن تناقش، فى المثال السابق: لو اعتبرت الزوجة فكرة «زوجى لا يهتم بى ولا يحبنى» شعوراً، فسوف تقبلها كما هى، مع أنها قد تكون فكرة خاطئة، ولو اعتبرت شعورها بالغضب والإهانة فكرة، فإنها سوف تناقشها، ومن ثم سوف تنتهى إلى كبت مشاعرها.
ما هو كبت المشاعر؟ وما هى أضراره؟
كبت المشاعر يفوق إنكارها، فهو ليس فقط عدم التعبير عن المشاعر، بل رفض إدراكها من الأساس، ويترتب عليه:
- السلوكيات الإدمانية القهرية، كالإفراط فى: الطعام، التدخين، المخدرات، الجنس، العمل، الشراء، الكمبيوتر، التليفزيون..الخ.
- التحدث مع الآخرين فى موضوعات سطحية وتفادى الكلام عن النفس والمشاعر.
- تجنب استخدام صيغة المتكلم عند التعبير عن المشاعر، واستخدام صيغة المخاطب أو الغائب بدلاً منها، مثال: وتحس أنك متضايق، أو الواحد بيحس بالذنب لما… إلخ، بدلاً من قول: أنا بتضايق أو بشعر بالذنب لما.. إلخ.
- الانقلاب من اللطف الشديد إلى العكس تماماً.
- سهولة الإصابة بالاكتئاب بلا سبب ظاهر.
- غياب الحماس والشعور بعدم وجود معنى للحياة.
- الإرهاق المستمر والإصابة بالأعراض الجسدية المزمنة، مثل المغص، الصداع، التهاب المفاصل، زيادة حموضة المعدة، التى ربما تؤدى إلى قرحة.
- الانفجار فى الغضب بلا سبب يستحق، أو بلا سبب أصلاً.
- صعوبة قبول النفس والآخرين.
طريقة عملية للتعرف على المشاعر
والآن إليكِ هذه الطريقة العملية التى تساعدك فى التعرف على مشاعرك وأسبابها، والتعامل معها، احضرى كراسة وارسمى فيها هذا الجدول، واكتبى كل يوم ثلاثة مواقف.
- الحدث أو الموقف: "ماذا حدث؟ متى؟ الأشخاص؟ الأماكن؟" .. مثال: ارتكبت نفس الخطأ مرة أخرى.
- الأفكار التلقائية: "طريقة تفسير الموقف التى أدت إلى هذه المشاعر" .. مثال: سأظل أرتكب هذا الخطأ طوال عمرى.
- المشاعر: "إحباط،قلق،كراهية،غضب.. إلخ"، صفى المشاعر واعطيها درجة فى الشدة من 0 إلى 100 .. مثال: يأس "70"
- أفكار بديلة: "طرق أخرى محتملة للتفسير" .. مثال: هذا تعميم مبالغ فيه، لأفكر لماذا كررت الخطأ.
- التغيير في المشاعر: "قلت شدتها أو اختفت تماماً".. مثال: اليأسيقل "40"
لا أبالغ حين أقول إن الذكاء العاطفى لا غنى عنه لحياة سعيدة وناجحة، فالمشاعر مثل الموسيقى التصويرية للفيلم والتى تصنع المزاج العام له.