من اليوم الأول بعد الولادة يمر الطفل بتطورات جسدية وعقلية كبيرة حتى يكتمل نموه، وإلى الآن فإن القدرات العقلية للطفل الرضيع لا نعلم عنها الكثير، وحتى وقت قريب كنا نظن أن الرضيع في أشهره الأولى لا يعي ما حوله، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالتفاعلات الاجتماعية المتطورة، ولا يستطيع التمييز بين العديد من المفاهيم، مثل الصداقة وغيرها من العلاقات الاجتماعية.
والمذهل أن الباحثين وجدوا أن تفاعل الطفل مع الآخرين، ووعيه لما يدور حوله يبدأ من سن صغيرة جدًّا، وأن الأطفال من عمر تسعة أشهر قادرون على عمل استنتاجات حول العلاقات الاجتماعية، وتحديد من الصديق ومن العدو. في هذا المقال سنلقي الضوء على دراسة أُجريت على الرضع من عمر تسعة أشهر، لمعرفة مدى قدرتهم على التفاعل وفهم العلاقات الاجتماعية.
تفاعل الطفل مع الآخرين
اللعب والضحك والبكاء وغيرها، من علامات تفاعل الرضيع مع الأشياء المحيطة به، وبالرغم من أن كل ما يفعله الطفل في الأشهر القليلة الأولى بعد ولادته هو التحديق والتأمل، وهو ما قد يجعلكِ تظنين أنه لا يستوعب ما يدور حوله، إلا أنه يراقب تصرفات المحيطين به، ويحاول فهم مشاعرهم.
وتؤكد الدراسات أن الرضيع يستطيع تمييز مشاعر من حوله والتفاعل معها وإبداء رد فعل من خلال تعبيرات الوجه، حتى مع عدم تطور مهاراته الذهنية والاجتماعية بشكل كامل.
وأجرى الباحثون في جامعة شيكاغو دراسة لقياس مدى قدرة الأطفال الرضع من عمر تسعة أشهر على التفكير في العلاقات الاجتماعية، من خلال دراسة استجاباتهم لمقاطع فيديو لشخصين بالغين يبدون رد فعل سلبيًّا أو إيجابيًّا بعد تناولهم نوعين مختلفين من الطعام.
واختار الباحثون فكرة الطعام لأن الرضع بشكل خاص يميلون إلى استخدام سلوكيات الأكل لاستنتاج العلاقات الاجتماعية، فالتجمع حول مائدة الطعام من أهم الملامح الاجتماعية لأي أسرة. وسجل الباحثون تعبيرات الرضع بعد مشاهدتهم لهذه المقاطع، مع تقييم المدة التى ركزوا فيها نظرهم على الشاشة فى نهاية الفيديو.
واحتوت بعض مشاهد الفيديو على شخصين يتشاركان فى ردود الفعل نفسها، ففي بعض المشاهد كان يبتسم الشخصان لبعضهما بعضًا تعبيرًا عن اتفاقهما، وفي مشاهد أخرى اختلفت ردود فعلهما وأدار كل شخص ظهره للآخر مع تعبيرات غير ودية على وجهه.
وأشارت الأبحاث إلى أن الأطفال عندما يشاهدون شيئًا غير متوقع، فإنهم يبقون تركيزهم على ما يحدث لفترة أطول، ربما لأنهم يحاولون فهمه. وأظهرت ردود فعل الرضع على مشاهد الفيديو مفاجأتهم من تصرف الشخصين اللذين أحبا الأطعمة نفسها بشكل سلبى تجاه بعضهما البعض.
إذ افترض الأطفال أن الأشخاص الذين يحبون الأطعمة نفسها سوف يكونون أصدقاء، وارتبكوا عندما لم يتصرفوا بالطريقة المتوقعة، وهو ما أكد أن الأطفال حتى في سن مبكرة يتابعون العالم المحيط، ويستنتجون العلاقات الاجتماعية ويتفاعلون معها وهو ما لم ندركه قبل هذه الدراسة.
وقد تتساءلين عزيزتي: ماذا يمكن أن أستفيده من هذه الدراسة؟
الإجابة عن هذا السؤال هي أن إدراكك أن طفلك يراقب ويعي ما يدور حوله في عمر مبكر للغاية، يجعلكِ أكثر حذرًا في التعامل أمام الطفل، فبعض الآباء يتعاملون بفطرتهم معتمدين في ذلك على أن الطفل لا يعي ما يحدث. فنجدهم يتشاجرون أمام الطفل أو يتلفظون ببعض الألفاظ غير اللائقة، وغيرها من التصرفات التي تعلق في ذاكرة الطفل وتنعكس عليه. لذا عليكِ الحرص عند تعاملك مع أصدقائك وزوجك والكاشيير فى المتجر أو الخادمة عندما يكون طفلك معكِ، لأنه يستوعب تصرفاتك ويتعلم منها.
وتوصلت الدراسة إلى أن الرضُع الذين يرون تصرفات إيجابية ومشاعر حب وود في التعاملات بين الأب والأم ينمون بشكل سوي، ويستنتجون أن الأب والأم تربطهما علاقة جيدة.
أسباب عدم تفاعل الطفل مع الآخرين
قد تلاحظين أن صغيرك لا يبدي ردود فعل أو لا يتفاعل بشكل جيد سواء في الإيماءات أو تعابير الوجه، وقبل أن تحاولي معالجة هذه المشكلة عليكِ أولًا التأكد من أن طفلك لا يعاني من أي مشكلة عضوية تجعله غير قادر على الاستجابة، كما توجد العديد من الأسباب الأخرى التي تجعل طفلك غير قادر على التفاعل الاجتماعي، ومنها:
- عدم وجود أشقاء للطفل: فعادةً نجد الطفل الثاني أكثر قدرة على التفاعل، وتنمية مهاراته اللغوية والاجتماعية بصورة سريعة بفضل وجود أخ أو أخت له يراقبهم ويتفاعل معهم.
- عزل الطفل: بعض الأمهات يحرصن على صحة الطفل بصورة مفرطة، فيقمن بعزله عن الآخرين، ويؤخرن ذهابه إلى الحضانة خوفًا عليه، وهو ما يجعل الطفل انطوائيًّا ولا يُبدي تفاعلات اجتماعية.
- تعريض الطفل للتكنولوجيا في سن مبكرة: قد يدفعكِ ازدحام جدولك اليومي وبكاء الطفل المستمر إلى وضع الطفل أمام شاشات التلفاز أو الهواتف المحمولة من عمر صغير، وهو ما أكدت العديد من الدراسات أنه يؤخر مهارات التخاطب لديه وقد يصيبه بالتوحد.
- المشكلات العضوية والنفسية: كمشاكل السمع والنظر، أو إصابة الطفل بالتوحد.
- عدم التحدث مع الطفل بشكل كافٍ: تجاهل الطفل أو عدم تخصيص وقت للتحدث معه أو إخباره بقصة، من الأمور التي تؤدي إلى عدم تطور المهارات الاجتماعية لديه، فمن خلال القصص والحديث يستطيع الطفل أن يستكشف العالم الخارجي ويتفاعل مع الحواديت وأبطالها، ويستنتج بعض المفاهيم عن العلاقات الاجتماعية.
كيف أجعل طفلي يتفاعل مع الآخرين؟
- تحدثي مع صغيرك من الأشهر الأولى بعد الولادة، واروي له قصصًا مع بعض التعابير والإيماءات على وجهك، حتى يستطيع تمييز مشاعرك.
- احرصي على اختلاط صغيرك مع أطفال في العمر نفسه، حتى يستطيع التعامل معهم ولا يقتصر عالمه على المنزل وأسرته فقط.
- استخدمي الألعاب التفاعلية فهي طريقة فعالة لتطوير مهارات الطفل الاجتماعية، مثل الكتب الملونة والقصص المجسمة، أو عمل بعض المسرحيات للطفل تتضمن أصوات ضحك وبكاء مع الربط بينها وبين الأحداث.
- استفيدي من الأحداث حولك في توصيل مشاعرك للطفل، فعند حضور الجدة حاولي إخبار الطفل بأنكِ تشعرين بالسعادة، واحمليه عند فتح الباب ليرى تعبير وجهك عند رؤية جدته ومدى سعادتك بها. كذلك عندما يُصاب الطفل عند سقوطه في أثناء اللعب، أظهري رد فعلك على وجهك من خلال بعض التعبيرات الحزينة، حتى يستطيع الربط بين ما يحدث وردود فعلك.
- لا تترددي في ذهاب طفلك للحضانة عندما يكون عمره مناسبًا لذلك، فذهابه للحضانة سيساعده على التفاعل والاختلاط بالآخرين.
وأخيرًا، اعلمي عزيزتي أن تفاعل الطفل مع الآخرين يبدأ من عمر مبكر للغاية، لذا حافظي دائمًا أمامه على تصرفاتك وانفعالاتك مع المحيطين، فهو يستطيع تمييزها بسهولة وتنعكس عليه وعلى تصرفاته فيما بعد، ونمّي مهاراته الاجتماعية وقدرته على التواصل. أما إذا لاحظتِ أنه لا يتفاعل بشكل جيد، فيمكنكِ الاستعانة بإخصائي سلوك للتأكد من أن صغيرك بخير.
يمكنكِ معرفة المزيد عن كل ما يخص رعاية الرضع مع "سوبرماما".