من بين معظم القصص الإنسانية المؤثرة التي تتحدث عن تربية الحيوانات الأليفة وتجمع بين الحيوانات وأصحابها، تظل حكاية (مدام إخلاص) هي الأغرب والأكثر طرافة، حكاية ربما تبدو للبعض مبالغة ولكنني أريد من خلالها ان نتذكر قيمة إنسانية نسيناها ولن نجد فرصة مناسبة أكثر من شهر رمضان لإحيائها، وهي الرفق بالحيوان.
قصص إنسانية مؤثرة
فى عوامة رقم ٧٧ بشارع النيل قابلت مدام إخلاص التى تركت بإرادتها منذ ٢٥ عاماً منزلها بحي الزمالك الهاديء وقررت أن تنشئ منزلًا أخر عائماً، هذا المنزل يجمع الآن بين جدرانه ما يزيد عن ٥٠ قطة، إلى جانب مزرعة أوز وببغاء وكلب، تعيش معهم مدام إخلاص بمفردها وتعمل على رعايتهم يوميًا.
لن تخطئ عينكِ وأنتِ في جولة في النيل هذه العوامة البيضاء المزينة بالزهور وبعض الطلاء السماوي الذي يجعلكِ تتخيلي أنكِ موجودة في الخمسينيات، سأصطحبكِ الآن إلي جولة سريعة هناك.
تربية الحيوانات الأليفة
فى البداية حدثتنا مدام إخلاص عن عشقها للحيوانات الأليفة بشكلٍ عام قائلة:
"منذ الصغر وأنا أحرص على تربية الحيوانات، كنت أعشق الكلاب بشكلٍ خاص وبعد زواجي انتقلت للإقامة فى الزمالك وأخذت معي الكلب الذى كنت أقوم بتربيته وكان يكره القطط بشدة.
كان فى منزل جيراننا قطة أسمعها دائمًا تتأوه، وذات مرة طلبت من حارس المنزل أن يعلم لماذا لا تكف هذه القطة عن النواح وأين أصحابها؟
فوجئت بقوله أن هذه القطة وقعت من الدور السادس وكسرت قدمها وعندما علم أصحابها بذلك طلبوا من الحارس رميها بعيداً، ولكن القطة "صعبت عليه" وقام بوضعها فى مدخل المنزل وتقديم الطعام والماء لها، فطلبت منه أن يحضرها إليّ وعملتُ على رعايتها، ثم وضعتها في مكانٍ منفصلٍ عن الكلب كي لا تحدث اشتباكات ومع الوقت اعتادوا على وجودهم معاً، هذه الواقعة حدثت منذ ٢٥ عاماً.
بمرور السنوات أصبحتُ أبحث عن القطط الضالة فى الشوارع، أخذها وأرعاها إلى أن أصبح منزلي لا يتسع لهم خاصةً وأني لم أرد يوماً حبسهم أو المتاجرة بهم، فأنا مؤمنة أن القطط قادرة على إدخال صاحبها الجنة أو النار، وكل ما أردته هو احتساب الثواب عند الله.
لأنني عشت شبابي بأكمله داخل عوامة والدي، عُدت مرة أخرى إليها بعد وفاة زوجي ولكن هذه المرة بزوار وساكنين جدد من القطط، يزدادون يوماً بعد الآخر، أعلم اسم كل قط وقطة فيهم ولا أنساهم رغم تقدمي في العمر، فقد ماتت منذ شهور (أنيسة وبوسى و بيلا) وهن ثلاث قطط من أوائل القطط التى ربيتها، وكن عزيزات علىّ جداً".
الرفق بالحيوان
تضيف مدام إخلاص:
"هناك قطط أحضرتها من صفائح القمامة ومن بين أرصفة الطرقات مثل: زيتونة ولولو والقطط المشمشية ومعظمها قطط بلدي".
أما عن كيفية الإعتناء بهذا الكم من القطط قالت:
"فى البداية كانت تواجهني مشكلة السيطرة عليهم وكنت أستعين بخادمات، لكنهن لم يكنّ يردن خدمة القطط فتركوني!
أصبحت أعتني بهم بنفسي قدر المستطاع، أستيقظ باكراً لأعد لهم الطعام المكوّن من الخبز وبقايا اللحوم أو الخضروات، كما أصبحت هناك لغة خاصة بيني وبينهم فلا أتمكن من الخروج أو السفر مثل بقية الناس لأنهم مسؤولية، وجدت فى تربيتهم والعيش معهم حنان وسكينة لم أجده عند البشر، حتى الأطفال الآن أصبحوا يتصرفون بعنف تجاه الحيوانات ولا يقبلون بوجودها.
أسعد لحظات حياتي عندما أحضر قطة من الشارع وأراها يوماً بعد الأخر تتعافى وتكبر بغض النظر عن لونها وشكلها، فهناك أشخاص يتشاءمون من القطط السوداء ولكن كل هذه اعتقادات خاطئة.
جزء من القطط يعيش فى حديقة العوامة وجزء بالداخل وإن خرجوا إلى الشارع يعودون سريعاً قبل الظلام، ويحرصون على الالتفاف حولي أينما أجلس، لكلٍ منهم ميزة لا توجد في الآخر، القطط معروف عنها أنها تغير على أصحابها ولا تحتمل أن يصيبهم مكروه وليس كما يشاع عنهم صفة الغدر بالعكس تماماً.
وأخيراً أحرص على تربية الأوز فى النيل، كما أمتلك ببغاء نادر النوع لا يكف عن مشاكسة القطط ليل نهار، جميع هذه الحيوانات أشعر أنهم عائلتي الحقيقة، ولا أخشى على نفسي من أي مكروه وأنا بينهم ولذلك لن أكف عن البحث عنهم وإضافة أفراد جدد إلى عائلة العوامة ٧٧ مهما واجهت من سخرية البعض ووصف البعض الأخر لي بالجنان".